الأحد، 26 ديسمبر 2010

دماء النبلاء ** إن قبح الذنب لايمنعنا أحيانا عن ارتكابه رغم وعينا الكامل بسوء مآله


دماء النبلاء

تذكرته...... لقد كان زميلى فى الدراسة الثانوية.... ورغم تفوقه فى العلاقات الاجتماعية فقد كان فاشلا فشلا ذريعا فى النواحى العلمية والدراسية ... ولا تسل عن مقدرته الفذة على مصادقة الجميع وبالذات المتفوقين ليحصل منهم على ماتعجز قواه العقلية عن تحصيله بمفرده ...... ولم يكن سواه مندوبا عن الجميع عند المدير و المدرسين و المتحدث باسم الجميع.
رأيته الآن وهو رجل كبير فعرفته ..... يسير فى الزفة الإنتخابية مصافحا الجميع ومقبلا عليهم بنفس الكيفية التى عهدتها فيه فى القديم .... كان مظهره يبدو عليه الوفرة والنعيم .وكانت حملته الانتخابية توحى باليسار الشديد ...... وكالصقر لمحتنى عينه فعرفنى على الفور ... وبتركيز شديد اشار لى محييا وكانه لايوجد في الجمع أحد سواى .... شق طريقه وسط الجميع مصافحا ومحييا وما أن اقترب مني حتى إعتنقنى وظلت يده ممسكة بيدى وهو يصافح الناخبين المنتظرين ويبتسم فى وجوههم .... ولم يمنعه وجهه الذى كان يقبل به على الاخرين من تبادل بعض الحديث معى .... كانت مقدرته على التفرغ لى وسط هذا الحشد هائله وغير عاديه .
- أين أراضيك
- فى الدنيا
- ماذا تعمل بها
- موظف
خسارة كبرى .... رجل بمثل ذكائك ومواهبك ..... لقد كنت الاول علينا فى الدراسة . عموما لاتحاول الإفلات منى هذه الليلة فأنا أود الحديث معك .... كانت أمة من البشر قد تجمعت حوله فانتصب بينهم قائلا ببساطه شديده : - لقد عاهدت نفسى أيها الإخوه على تذليل كل عقبة تعترض أى واحد منا .... لن أقول أننا سنتفرغ لسن القوانين ...... وماذا فعلت بنا القوانين غير مزيد من الألم والاحباط ...... ولكننى أقول أننى خادم لكل فرد فى هذه الدائره لتحقيق أى مصلحه شخصيه متعثره ...... إذا لم يوجد بيننا من يمثلنا فى قضاء المصالح فلن تحل لأى منا مشكله واحده ...... لابد أن نتكاتف أيها الاخوه ليكون لنا سند قوى يحمينا ..... ومن لاسند له يتيم ضائع ...... ولن أكتفى بهذا أيها الاخوه ، بل سوف أسعى أن تكون خدمات الدوله للمواطنين كلها بالمجان ..... التعليم بالمجان . الخدمات الصحيه بالمجان فهما كالماء والهواء ..... حتى الإسكان الذى تبنيه الدوله أيها الاخوه سوف أسعى أن يكون هو الآخر بالمجان ..... أين يسكن الفقراء الذين لايجدون قيمة الايجار؟ لن أسمح بسكنى المقابر بعد اليوم .... لابد أن تتاح لكل مواطن شقة مناسبه وهذه الأسعار التى يكتوى بنارها المواطنون لابد أن تنخفض و سوف أسعى جاهدا لتحقيق ذلك ماذا يفعل الفقراء ؟ هل يموتون جوعا ؟ لن أسمح بذلك أيها الاخوه ... لابد أن يتوفر الطعام للجميع ...... لقد خلق الله الطعام لكل فم فلم تحرم منه هذه الأفواه الجائعه ؟ – تصفيق حاد وهتاف – سيروا على بركة الله أيها الاخوه ..... سوف نصنع لهذه الأمة مستقبلاً زاهرا باذن الله . ستكون أمة تحسدها جميع الأمم وسوف نكون مثلا أعلى فى تحقيق الرفاهيه والازدهار ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
استمعت له تنتابنى رغبة فى مزيج غريب من الضحك والبكاء .. رأيته تلميذا – متفوقا هذه المرة – لهذه المدرسة الرهيبة التى تعمل على تحطيم كل شيئ حولها وتحطيم نفسها فى النهاية وعجبت لهذه المدرسة حين تبنى كيف يكون الخراب أصيلا داخل مظهر العمار الذى تبنيه؟
أمسك بيدى وهو لايزال يلوح للجماهير ويصافحهم :-
• أوليس لك عمل اضافى خارج نطاق الوظيفة ؟
• كلا .
• رجل مثلك يبدد مواهبه هكذا وكيف تعيش فى هذه الآيام الصعبه؟
• الحمد لله.
• على كل حال نحمد الله.....ولتقابلنى غدا فعندى لك مشاريع كبرى ان شاء الله . !!!
ووضع في يدي كارت به العنوان و صافحني قائلا :-
ألقاق في الرابعة مساء إن شاء الله
لم لم أرفض ؟ ولم لم أطرح هذا الكارت جانبا ؟ ولم ذهبت فى الموعد المحدد تماما لمقابلته ؟
لست أدرى!!!
استقبلنى كعادته مرحبا بابتسامته المعهوده .
لن أضيع كثيرا من وقتك ولكنى أعرض عليك إدارة أعمالى فى الآرض التى أمتلكها فى مشروعات الآراضى الجديده وهى عبارة عن أربعة أسهم مساحتها أربعون فدانا وسوف أسعى إن شاء الله فى الحصول لك على سهم بعشرة أفدنة ..... فكر فى الأمر ولا أعتقد أن عملك الرسمى يعوقك فهو كما أعتقد لايشغل من وقتك الكثير.... وسوف أنتظرك فى نفس المعد غدا إن شاء الله لأعطيك فرصة لتدبر أمرك والتفكير...... مد لى يده مودعا ، صافحته وانصرفت!!!
يبدو أننا نسير فى حياتنا كثيرا ضد كل شيء نؤمن به ونعتقده .... إن قبح الذنب لايمنعنا أحيانا عن ارتكابه رغم وعينا الكامل بسوء مآله...... وجدت نفسى أذهب فى الموعد المحدد وقد وافقت ..... ونظرت حولى فاذا الجميع قد وافقوا منذ زمن بعيد .....اننا جميعا موافقون .. جمعتنا جميعا مصلحة عاجلة غبية لانملك إزاءها المقاومه . بل لعلنا إلى التنافس فى تحصيلها أقرب.... لقد شعرت بأنى جزء من نسيج متحلل فاسد ولاأمل يرجى من محاولة اصلاحه . وسوف تدفع الحياة حتما بعناصر جديده تستطيع أن تقول لا... وهي إن سالت دماؤها بغزارة إلا أنها تصنع الحياة وتعطيها سرها وعظمتها........ ان وجه الآرض قد إزور عنى بنفور واشمئزاز ...... وأصبحت أراه ينظر فى ترقب ولهفة وعطش دماء النبلاء.


حسنى محمد أبوعيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق