المتـــــهم
احتدم وكيل النيابة وهو يوجه لى قرار الإتهام وحين فرغ سألنى القاضى: مذنب
أم غير مذنب ؟ فنظرت إليه بذهول شديد وقلت : غير مذنب ......... وكلت المحكمة
محاميا للدفاع عنى ورفضت طلبى بالدفاع عن نفسى. أتهمتنى النيابة أنى أسير الهوينا
على شاطىء البحر وذكرت أن شهودا كثيرين رأونى وأنا أستنشق الهواء وأملأ منه صدرى
ورئتى ......... ورأى أخرون أنى كثيرا ما أتأمل النجوم فى السماء وأننى أنظر دائما
إلى الأفق البعيد ........ ورآنى آخرون وانا أنظر بشغف إلى الأشجار والأطيار وأنى
أقضى الساعات مع الأزهار .......
وأذن القاضى للمحامى بالدفاع ........ أنكر المحامى كل التهم الموجهه ضدى
وأقسم بأغلظ الأيمان أننى لا أسير مطلقا على شاطىء البحر وغاية أمرى إذا أشتقت
لرؤية الماء أن أسير إلى جدار بركة أو
مستنقع ....... وأن حبى لهواء البرك والمستنقعات ملك على شغاف قلبى .......... أما
عن كونى أتأمل نجوم السماء فقد حاول المحامى أن يثير عطف المحكمة فقال أنظروا لهذا
المسكين كيف يستطيع أن يرى نجوم السماء وهو يمشى منكس الرأس بل أكد لهم أننى لا
أستطيع أن أرى النجوم فى السماء لأن نظرى واهن ضعيف .
ثم أردف : كيف يستطيع أن ينظر إلى الأفق البعيد من لا يستطيع أن يرى أبعد
من تحت قدمه ؟ أما عن شغفى بالأشجار فلم ينكر المحامى هذا . وإنما تأول هذا الشغف
بحبى للأشجار كمصدر للطاقة ولصناعة الموبيليا, وقال: أن موكلى ما نظر مرة إلى شجرة
خضراء إلا وتمنى من صميم قلبه أن يراها مقطوعة ممزقة الأوصال........ اما بالنسبة
للطيور فقد احتدم المحامى وهو يشرح للمحكمة أن شغفى بالطيور يرجع إلى حرمانى
الشديد من أكل اللحوم وأننى ما نظرت إلى طائر إلى وتمنيت أن يكون مشويا أمامى أو
محمرا .
وأضاف المحامى : أما ما يقال عن الساعات الطويلة التى يقضها مع الأزهار
فذلك سبب لا يرجع بالمرة إلى جمال الأزهار أو لطيب رائحتها بل أن ذلك الأهتمام
الشديد يرجع إلى أسباب علاجية فالأزهار كما تعلمون حضراتكم مصدر للأدوية ........
وأكد المحامى أنى لا أطيق منظر زهره قائمة على ساقها ....... وأنى لا أحب فى الورد
سوى الأشواك وحكى أن ثورا دخل مرة إحدى الحدائق وأخذ يدهس أزهارها الغضة ويحطم
فيها كل تنسيق وجمال وذكر أنى شاهدت هذا الحادث وكنت سعيدا وجذلا بما فعله الثور
..
وأكد المحامى للمحكمة أنى من فرط سعادتى كنت أريد مصادقة هذا الثور لولا
أنه نطحنى بقرنة فالثور كما تعلمون حضراتكم تصعب جدا مصادقته والإطمئنان التام
إليه .. وأراد المحامى أن يسترسل فى وصف الثيران ويعدد أنواعها وأوصافها إلا أن
القاضى زجرة لخروجه عن الموضوع . فإعتذر بأن الحماس أخذه لشدة حيوية الموضوع
بالنسبة له وقال : من هنا ياسيادة القاضى تجد أن موكلى إنسان طبيعى جدا .... ينتمى
إلى مجتمعه ويحبه تمام الحب .. وهو فرد عادى كأى فرد .. ولا يخطر فى قلبة مجرد
خاطر غير مألوف وغير طبيعى .. وطالب لى بالبراءة مع أخذ التعهدات الكافية ألا
أشاهد إلى جدار نهر أو جدول . أو ينشرح صدرى للنسيم و أن أغض طرفى عن الأشجار
والأطيار وألا أرفع رأسى إلى نجم فى السماء , وأكد للقاضى أننى كذلك فعلا وهكذا
مضت بى الحياة فيما مضى من السنين .
عقب وكيل النيابة على مرافعة الدفاع بإنفعال شديد وإتهم الدفاع بطمس معالم
الحقيقة وأنه لم يقدم دليلا ماديا واحدا يثبت براءة المتهم مما هو منسوب إليه ..
وأضاف أن هذا المتهم ينتمى إلى عالم آخر غير العالم الذى نعيش فيه وأن ولاءه لهذا
العالم الآخر وليس لعالمنا وحق على المحكمة أن تدينه بتهمة الخيانة العظمى وطالب
لى بعقوبة الإعدام شنقا حتى الموت . وفى صمت كامل انتظرت صدور الحكم .
بقلم الشيخ /حسنى محمد أبوعيد
رحمه الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق